فدعونا اليوم نتحدث عن أعجوبه العصر العباسي و نادره زمانه , فهو صاحب القلم الذي لا يجف حبره عن الكتابه و لا يعجز لسانه عن إيجاد الكلمات. أعظم شعراء العرب و اكثرهم إيجاده باللغه العربيه.
الشاعر ابو الطيب المتنبي.كثيرا ما سمعنا عن المتنبي و لكن لم نتعمق في حياته و كتاباته.
فلنبدأ رحلتنا مع المتنبي.
هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الكوفي الكندي , ولد بالكوفه , و يقال ان والده اسماه أحمد و لقبه بأبي الطيب.ففي نسب المتنبي خلاف,إذ قيل انه ابن سقاء كان يسقي الماء بالكوفه , و قيل انه من عائله فقيره.
فدعونا ندخل في بحور المتنبي و شعره.
أشتهر ابو الطيب ببراعته في المدح , و أشهر من مدح سيف الدوله الحمداني-فكان صديقا له- و كافور الاخشيدي
مدح المتنبي سيف الدوله باربعه قصائد سميت بالسيفيات فمنها
وقفت و ما في الموت مثلك لواقف...........كأنك في جفن الردىو هو نائم
تمر بك الابطال كلمى هزيمه ...............وو جهك وضَاح و الثغر باسم
تجاوزت مقدار الشجاعه و النهى...........إلى قول قوم انت بالغيب عالم
و عاتب المتتنبي سيف الدوله الحمداني لأن العلاقه بينهما أصابها بعض الفتور بعد أن أوقع الحاسدين بينهما.
فقال:
واحر قلباه ممن قلبه شبم..................و من بجسمي و بحالي عنده سقم
مالي اكتم حبا قد برى جسدي...........و تدعي حب سيف الدوله الأمم
إن كان يجمعنا حب لغرته..............فليت أنا بقدر الحب نقتسم
يا أعدل الناس إلا في معاملتي.........فيك الخصم و انت الخصم و الحكم
يبدأ الشاعر قصيدته بأسلوب يدل الحزن و الألم بسبب قلب صديقه البارد(شبم) فهو يظن ان مرض المتنبي مرض جسدي و انما هو مرض نفسي بسبب حزنه على فراق صديقه . فيتعجب الشاعر من حبه لسيف الدوله الصادق حين يتظاهر الاخرون بحبهم لسيف الدوله و ان كان حبه صادق و حبهم نفاق
أشتهر المتنبي بالحكمه في قصائده
مراد النفوس أصغر من ان.............نتعادى فيه و ان نتفانى
غير أن الفتى يلاقى المنايا...............كالحات , و يلاقي الهوانا
و لو أن الحياه تبقى لحىٍ.................لعددنا أضلنا الشجعانا
و إذا لم يكن من الموت بد..............فمن العجز ان تكون جبانا
يبن الشاعر ان غايات النفوس أقل و اصغر من ان نتعادى و نتفانى من أجلها , فلو الحياه أصبحت ابديه لأحد لعتبرنا الشجعان اللذين يضحون بنفسهم في سبيل بلادهم او اهلهم من الضالين , لأن الحياه أبديه , فلماذا ينهون حياتهم بأيديهم؟ فلو الموت حقيقه لا مفر منها فمن العيب و العجز ان تكون جبانا ....صدق من قال أعجوبه عصره.
فلا نستطيع ان ننهي حديثنا دون ان نتكلم عن أهم غرض من الأغراض التى تناولها المتنبي , و هو الفخر
و من أشهر أبيات المتنبي في الفخر بل في قصائد كلها
أنا الذي نظر الاعمى إلى أدبي.............و أسمعت كلاماتي من به صمم
فالخيل و الليل و البيداء تعرفني.............و السيف و الرمح و القرطاس و القلم
ففي هذه الابيات يفتخر الشاعر بمكانته الأدبيه و تمكنه من اللغه - و له هذا - فالأعمى أستطاع ان يقرأ شعره و الأصم أستطاع ان يسمع بكلماته. و يفتخر أيضا بشجاعته في الحروب و مهاراته في المبارزه فلنسأل عنه الليل , الخيل , الصحراء , و السيف و الرمح فهم يعرفونه . و يشهد له القلم و الورقه بمكانته الأدبيه
فالبيت الاخير سمي بالبيت الذى قتل صاحبه
ففي الصحراء قامت مشاجره بين المتنبي و جماعه من الناس فعندما حاول المتنبي الهرب قال له ولد:أتهرب و أنت القائل
فالخيل و الليل و البيداء تعرفني.............و السيف و الرمح و القرطاس و القلم
فعاد المتنبي و قاتل حتى قتل . و بهذا تنتهى حياه المتنبي و لم تنتهى حياه كلماته و أشعاره إلى يومنا هذا.