هل يعيد التاريخ نفسه

يقولون أن التاريخ يعيد نفسه، والكثير منا يختلف مع هذا القول، ولكن الحقيقة أن التاريخ- بشكل أو بآخر - يسلك

مسلكا غريبا يتشابه مع أحداث سابقة تكررت في عصر من العصور الغابرة، فالتاريخ يحفظ لنا قصص كثيرة عن أحداث تاريخية متماثلة بل وحتى عن شخصيات شبه متطابقة في مجريات حياتها، فالمتأمل مثلا في سيرتي طه حسين وأبو العلاء المعري يجد تشابها غريبا جدا يدعو للدهشة، وكذلك الحال بين الرئيسين الأمريكيين السابقين جون كينيدي وأبراهام لنكولن اللذان يتشابهان بطريقة مثيرة جدا في الأحداث والأرقام والأسماء التي لعبت دورا على مدى حياتهم...

ويبدو أن استنساخ التاريخ لنفسه لن يقتصر على مجرد شخصيات أو ظروف- على الأقل في هذا الموسم -، فعملية " استنساخ التاريخ " قابلة للتكرر مجددا ولكن هذه المرة على غير العادة مع فريقين انجليزيين عريقين، إذ أن ما يحدث هذا الموسم للأرسنال يذكرنا كثيرا بما حدث لليفربول في الموسم الماضي.، أحداث متشابهة كثيرة جمعت بينهما في مدى زمني لا يتجاوز السنتان مما يلفت النظر فعلا إلى أن التاريخ ربما يعيد نفسه مجددا...

إن كنت لا تصدقني، فاقرأ هذا الموضوع وتأمل بنفسك أوجه التشابه الكثيرة بين ليفربول 2004/2005 وأرسنال 2005/2006 !!
مفاجآت الصيف

في صيف 2004/2005، تعاقد ليفربول مع المدرب الاسباني القدير رافاييل بينتيز، ومعه بدأت حملة ليفربول " التجديدية" بالتعاقد مع وجوه جديدة عديدة من اللاعبين وسيما من اسبانيا - كاكزابي ألونسو (ريال سوسيداد) ولويس غارسيا (برشلونة) ...الخ -، إلى أن جاءت كبرى مفاجآت الصيف، وذلك ببيع نجم الفريق المدلل وهدافه الكبير وقائده الثاني مايكل أوين إلى ريال مدريد الاسباني في خطوة لم يكن يتوقعها أغلب المراقبين

مايكل أوين، بألوان ليفربول

وفي الصيف التالي، وغير بعيد عن ليفربول، بدأت حملة " تجديدية " أخرى، هذه المرة مع الأرسنال اللندني الذي استغنى عن نجمه البرازيلي ايدو لفالنسيا الاسباني لانتهاء عقده مع الفريق وضم عوضا عن صانع العاب بيلاروسيا ونجمها الأكبر ألكساندر هليب من شتوتغارت الألماني، إلى أن جاءت كبرى المفاجآت من جانب الأرسنال ببيع قائد الفريق وأسطورة ارتكازه وأحد أحب نجومه الفرنسي باتريك فييرا إلى يوفنتوس الايطالي في خطوة أدهشت العالم أجمع - خصوصا وأن فييرا كان قد درج على رفض جميع العروض المغرية له في المواسم الأربعة الماضية وخصوصا من ريال مدريد الاسباني -

باتريك فييرا، بألوان الأرسنال

قواسم متشابهة تستحق الملاحظة في سيناريو بيع كل من مايكل أوين وباتريك فييرا، فكلاهما كانا بعيدين جدا عن احتمالات الحدوث، وكلاهما أيضا حدثا بسرعة غير متوقعة، ونظير ثمن زهيد نسبيا لكليهما - مقارنة مع القيمة الفعلية لكلا اللاعبين - ، وكلاهما كانا لرغبة النجمين الكبيرين في حصد لقب دوري الابطال الأوروبي " التشامبيونزليج " مع فريق أكثر استعدادا وقدرة على تحقيقها من ليفربول والأرسنال

بدأ الموسم، ومعه لعنة الاصابات والنتائج دون المستوى

بدأ ليفربول موسم 2004/2005 كرابع المرشحين الكبار لحصد لقب البريمييرليغ بعد كل من الأرسنال " حامل اللقب " وتشلسي ومانشستر يونايتد، ولكنه سرعان ما وجد نفسه يتخبط في مراكز الوسط البعيدة تماما عن مقاعد القمة!!

أداء ليفربول ونتائجه في المراحل المبكرة من الدوري لم يكن مبشرا أبدا وكذلك حاله في التشامبيونزليغ، ومما زاد الحال سوءا تعرض أغلب نجومه ومفاتيح لعبه للاصابات المتكررة مغيبة كل من قائده الانجليزي ستيفن جيرارد والهولندي بودوين زندن والأسترالي هاري كيويل والالماني ديتمار هامان والاسباني اكزابي ألونسو لفترات مختلفة، وكانت أخطرها وأكثر دويا الإصابة المؤلمة التي تعرض لها الفرنسي جبريل سيسيه بكسر في ساقه والتي غيبته عن الملاعب لقرابة ال6 أشهر وهددت بإنهاء مسيرته في الملاعب نهائيا

وبسيناريو مشابه جدا - إن لم يكن أكثر حدة -، بدأ الأرسنال الموسم الحالي 2005/2006 متقهقرا جدا في نتائجه على غير العادة الأمر الذي جعله يتراجع للمركز التاسع على مستوى البريمييرليج لأول مرة في تاريخ البطولة ذات السنوات ال14، ولتكتمل مأساة المدفعجية حلت لعنة إصابات " غريبة " عليه مغيبة جميع نجومه سوى لاعبين - هما الايفواري كولو توريه والاسباني سيسك فابريغاس- لفترة أو لأخرى عن الملاعب، إصابات لم ترحم لاعبا صغيرا ولا كبيرا ولا أساسيا ولا بديلا، والأغرب أنها جاءت مرة تلو الأخرى لتطارد اللاعبين ليتكرر غياب بعضهم - كالفرنسي تييري هنري والاسباني خوزيه أنطونيو رييس والسويدي فريديك ليونبرغ والانجليزيان سول كامبل وأشلي كول والهولنديان دينيس بيرغكامب وروبن فان بيرسي - لفترتين أو ثلاثة أو حتى أكثر !!

خروج مبكر من الFA CUP، وعدم اكتمال انجاز الكارلينغ

في موسم 2004/2005، عانى ليفربول الأمرين على مستوى الكؤوس الانجليزية بخروجه أولا من كأس انجلترا الFA Cup في دور مبكر نسبيا أمام مضيفه برنلي بهدف نظيف - بعد خطا لا يغتفر لمدافعه جيمي تراوري -، وخسارته ثانيا للقب كأس رابطة المحترفين الCarling Cup في النهائي المثير أمام تشلسي بنتيجة 2/3 بعد وقت إضافي - بعدما كان ليفربول متقدما بهدف نظيف على بعد بضع دقائق من نهاية الوقت الاصلي للمباراة -، وذلك رغم المسيرة الممتازة له خلال أغلب أدوار المسابقة

أما في موسم 2005/2006، فقد كان الدور على المدفعجية ليتجرع مرارة الهزيمة في الكؤوس الانجليزية، إذ خرج من كأس انجلترا التي يحمل لقبها أمام " مضيفه " بولتون واندررز وأيضا - ويا للعجب - بهدف وحيد، ثم بعد ذلك بايام قلائل خرج كذلك من نصف نهائي الكارلينغ كب بإجمالي مباراتي الذهاب والإياب أمام ويغان أثلتك - خسر الأرسنال خارج أرضه 0/1 ذهابا وانتصر ايابا في الهايبري 2/1 بعد وقت اضافي - بعدما كان أيضا الأقرب للتأهل لولا هدف الغريندادي الرائع جيسون روبرتس - قبل نهاية المباراة ب65 ثانية فقط !! -، ليخفق هو الآخر في تكملة مشواره الجميل في البطولة

مطاردة المركز الرابع في الدوري، ضد الغريم الأزلي !!

باقتراب المراحل الحاسمة من موسم 2004/2005، وجد ليفربول نفسه في حرب شرسة على حسم المركز الرابع في البريمييرليغ - المقعد الأخير المؤهل لتصفيات التشامبيونزليج في الموسم الذي بعده - والذي كان يتبؤأه ايفرتون، جار ليفربول في نفس المدينة وغريمه الأزلي في دربي الميرسي سايد، ليفربول صاحب المركز الخامس حاول مرارا وتكرارا الارتقاء للمركز الرابع بل ونجح في تقليص فارق النقاط كثيرا بينه وبين ايفرتون إلا أن هذا الأخير نجح في نهاية المطاف في حسم المركز الرابع لمصلحته بفارق نقطي ضئيل عن ليفربول

وبعدما دارت عجلات الزمن سنة أخرى، نجد الوضع ذاته يتكرر إنما هذه المرة مع غريمين أزليين آخرين، الأرسنال صاحب المركز الخامس وتوتنهام هوتسبيرز صاحب المركز الرابع والعدو اللدود للأرسنال في الشمال اللندني، ويبدو حتى الساعة أن السيناريو سيتكرر لمصلحة الفريق الأقل ترشيحا وانجازات – أي توتنهام - رغم الاستبسال الضاري للأرسنال والطموحات غير الخفية لفرق أخرى أبرزها بولتون وبلاكبرن على مقعد التشامبيونزليج الأخير

تألق مبهر في التشامبيونزليج على غير المتوقع

تواضع نتائج ليفربول على جميع جبهات الساحة المحلية الانجليزية في موسم 2004/2005، قابله تألق غير منتظر له على الساحة الأوروبية- رغم تأهله الصعب من دوري المجموعات على حساب أولمبياكوس اليوناني في الدقائق الأخيرة من المباراة الأخيرة بينهما في المجموعة-، ليفربول مضى في الأدوار النهائية للتشامبيونزليج بلا هزيمة على الإطلاق ضاربا بعرض الحائط كل التوقعات التي وقفت في مصلحة خصومه للتأهل على حسابه في كل دور من الأدوار النهائية بدءا بدور ال16 وانتهاء بالمباراة النهائية - باير ليفركوزن الألماني ويوفنتوس الايطالي وتشلسي الانجليزي وأي سي ميلان الايطالي على التوالي -، وليتوج باللقب في نهاية المطاف على حساب الميلان بعد مباراة نهائية هي الأروع والأمتع على الإطلاق في تاريخ البطولة

والأرسنال في هذا الموسم يحذو حذو ليفربول - على الأقل حتى الآن- ، فالأرسنال هو أحد الفرق القلائل الذين بقوا في البطولة بدون التعرض للهزيمة بعد - إلى جانب برشلونة وفياريال الاسبانيين وليون الفرنسي -، وقدم في البطولة عروضا طيبة جدا حتى الساعة مخالفا الترشيحات التي كانت تشير بخروجه أمام ريال مدريد الاسباني في دور ال16، وبلا شك سييظل أحد أقل المرشحين حظوظا في اللقب حتى لو نجح في المرور إلى الأدوار القادمة من البطولة الأوروبية الأعتى والأغلى

سيناريو المواجهة مع يوفنتوس

في طريقه إلى لقب التشامبيونزليج في الموسم الماضي، اضطر ليفربول إلى مجابهة يوفنتنوس الايطالي في دور الثمانية، والذي كانت أفضلية الترشيحات تصب كثيرا لمصلحته، وخصوصا لأن أفضلية مباراة الاياب ستكون له للعبه في معقله في الديلي ألبي في تورينو الايطالية

سيناريو يتكرر مجددا هذا الموسم بمواجهة جديدة لليوفنتوس أمام خصم انجليزي آخر هو الأرسنال، والبياكونيري مرشح فوق العادة للتأهل بحكم عاملي الامكانات والخبرة، وأيضا لأنه سيستضيف مباراة الإياب في ملعبه الذي لم يستطع أن ينفذ منه أحد تقريبا هذا الموسم - باستثناء بارما والميلان اللذان تعادلا معه في الكالشيو وروما الذي هزمه 3/2 في الكأس أو كوبا ايطاليا -

القواسم المشتركة بين المواجهتين كثيرة ، ويزيدها اشتراكا تواجد الفرنسي باتريك فييرا في صفوف اليوفنتوس...

فييرا الذي رحل إلى يوفنتوس بحثا عن لقب التشامبيونزليغ بعدما يئس من إمكانية تحقيقه مع الأرسنال في السنين الماضية يشترك إلى حد كبير مع الانجليزي مايكل أوين الذي طمع هو الآخر في إضافة انجاز اللقب الأوروبي الأغلى فرحل إلى صفوف ريال مدريد الاسباني - أكثر المتوجين بها على مدى تاريخ البطولة التي تتجاوز نصف قرن من الزمان - تاركا خلفه ليفربول وذكريات سنين العشرة الطويلة معه

الغريب أن أوين لم يظفر بما يتمنى مع الريال الملكي، والأغرب من ذلك أن فريقه السابق ليفربول هو الذي حقق اللقب على عكس جميع التوقعات

فهل تتكرر الحدوتة ذاتها بين فييرا والأرسنال، بإخفاق اللاعب ونجاح فريقه الأسبق في حصد لقب غير متوقع ؟!

ما رأيك يا عزيزي القارئ...
هل يعيد التاريخ نفسه ؟!

» قاضي الأولاد شنق نفسه
» اعظم لص فى التاريخ
» غزة عبر التاريخ .. تعرف على غزة .
» ـ أعطه فرصة الدفاع عن نفسه :
» حين يجوع جسد الإنسان يأكل نفسه